قالوا أسير قد براه أساره * في سجنه وهمومه أسرارُ
ويرى السماء بها ملاذ همومه * ونجومها أحبابه السُمّارُ
"الجدي" صاحبه، "سهيل" أنيسه * في ليله، وحديثهم أسرارُ
في ليلة بالصمت طاب حديثها * سمرٌ عجيب بالسكوت يدارُ
قالوا أسير في السجون مغيبٌ * وسط الغياهب والأنيس جدارُ
يبقى وحيدا أو يعيش معذباً * يلقى المواجع مالديه جوارُ
السجن ليل بالمواجع سرمد * وخروجه إن أخرجوه نهارُ
نور السجون بها ظلام دامس * والكون فجر بالظلام منارُ
قالوا أسير بالهموم مقيد * وعليه من نسج الهموم شعارُ
وضجيعه عند الرقاد همومه * وعليه منها في الفراش دثارُ
قالوا أسير بالقيود مكبل * أو من قيود الظالمين فرارُ
القيد أثقله وآلم رجله * وبساقه من قيده آثارُ
وبخصره مثل الحزام سلاسل * ومن القيود بمعصميه سوارُ
السجن كهف مظلم بل موحش * فيه الأفاعي والعقارب جارُ
هاتيك تلدغه وتلك تخيفه * وعليه يضرب كالجيوش حصارُ
وتغره الأخرى بملمس جلدها * وبنابها الأهوال والأخطارُ
السجن غاب والسجين غزالة * والذئب فيها الصائد الغدارُ
من قد رأى ذئب يصون مودة * أم هل يصان لدى الذئاب جوارُ
الذئب لؤم والخيانة أمه * والغدر فيه وما عليه غبارُ
السجن ميدان وفيه غضنفر * وعليه من أثر القيود صغارُ
أسد يقاد إلى اللقاء بساحة * القط فيها السيد المغوارُ
القط نسر والهزبر حمامة * والسر قيد إنها الأقدارُ
السجن سوق والسعادة بائع * ومن التعاسة قد أتى السمسارُ
السعد أفلس والشقاوة تشترى * والبيع غش باللئام مدارُ
قالوا أسير يا لسوء مصيره * ومن التعاسة عنده أخبارُ
فأجبتهم كفوا الملامة ويحكم * فأنا الأسير وما بأسري عارُ
وأنا السجين وفي السجون سعادتي * ولدي من شرف السجون شعارُ
أنا إن أسرت أنا الهزبر شجاعة * بمكيدة قد صاده غدارُ
ولأن أسرت أنا المهند مغمد * ولدى اللقاء يسله الكرارُ
السجن أنسي بل أمين سريرتي * ولدي منه وعنده أسرارُ
نقضي الليالي والجدار مؤانس * ومع السلاسل قد يطيب حوارُ
صوت السلاسل نغمة محبوبة * لمسامعي وكأنه قيثارُ
السجن واد والسيول تصيبه * ولنحن في صحراءه أشجارُ
سيل من الرحمات يأتي صيبا * هل يمنع السيل العظيم حصارُ
كلا ولن تلقاه ألف قذيفة * أو ألف جيش للقاء جرارُ
السجن درب بالمخاطر حافل * ولدى الجنان سينتهي المشوارُ
ولدى الجنان رضى الإله مرادنا * وبها النبي مع الصحابة جارُ
السجن أنس بالكتاب وآيه * وظلامه بهدى الإله منارُ
يامن رأى بالسجن طيب حياته * والأنس فيه كذلك الأنوارُ
لبس السعادة فيه أجمل حلة * ومن الحدائق عنده أزهارُ
حدث فديتك عن نعائم ربنا * وإذا خلوت فما هي الأخبارُ
وليعلم الداني وقاصي قومنا * والأبعدون بحينا والجارُ
الصالحون من الخلائق كلها * والطالحون كذلك الأشرارُ
وعجائز في الليل طال بكائها * عند الدعاء وبعدهن صغارُ
ولتعلم الدنيا بكل عبيدها * أن الإله بحفظه قهارُ
ساق الرحائم للعباد عظيمة * وعدو ربي دربها المسيارُ
وعلى يديه تساق نعما ربنا * وترى العدو لردها يحتارُ
وتراه يجهد كي يسوق أذية * بمكيدة ويعينه مكارُ
لكنه يبقى أمامك عاجزا * قد ساق لكن حالت ألأقدارُ
واعجب لسجان عبوس وجهه * وفؤاده قدر عليه النارُ
وسجينه شرب السعادة عذبة * ومن السعادة عنده أسرارُ
يبدي السعادة في الشدائد والرخا * وكأنه شجر عليه ثمارُ
فاسعد بسجنك ما بقيت موحدا * تمسي وتصبح، ربك الجبارُ
لست الأسير فأنت مصدر عزة * للعزة العظمى بقلبك دارُ
ما الأسر إلا أن تهيم بغادة * حسناء تنثر حولها الأزهارُ
ما الأسر إلا أن تقيم بحانة * وجليسك العربيد والفجارُ
ما الأسر إلا أن تجالس مطربا * دنسا ليشجي سمعك المزمارُ
ما الأسر إلا أن تعيش معذبا * كي لا يفارق جيبك الدولارُ
ما الأسر إلا أن تلاحق شهوة * هانت عليك لأجلها الأسفارُ
ما الأسر إلا أن تطيق معيشة * بالذل عاث بأرضها الكفارُ