اسلام سالم المدير العام لمنتدى شباب بيت لحم((Admin))
الاعلام:
الابراج : عدد المساهمات : 317 تاريخ التسجيل : 11/11/2009 العمر : 32 الموقع : منتدى شباب بيت لحم المزاج : رايق
| موضوع: لا بدّ من العيش في أكثر من عالم واحد الثلاثاء أغسطس 03, 2010 12:57 am | |
| لا بدّ من العيش في أكثر من عالم واحد!
دروس خالدة في ممارسة الحياة والعمل من خبرات بيتر دراكر الأسطورية
بروس روسينشتاين
عبر مسيرة حياة وعمل أسطورية من سبعين سنة غنية حافلة، استطاع بيتر دراكر قلبَ ممارسات الأعمال الحديثة قلباً فكان له باعٌ طويل في تغييراتٍ عميقة واسعة مثل اللامركزة، والخصخصة، والتمكين.
وكان واحداً من الطليعيين الذين تنبّهوا وتناولوا بالبحث نشوء مجتمع المعرفة، ففي عام 1959 كان دراكر أوّل من طلع على الناس بمصطلح "العامل المعرفي knowledge worker".
وبالرغم من هذه المسيرة الطويلة والغنية فإنّ كثيراً من الناس اليوم لا يعرفون أنّ دروس دراكر في التنمية الشخصية –أو إدارة الذات- لا تقلّ عمقاً وقيمةً عن آرائه وأبحاثه في إدارة المنظّمات. ولعلّ أحد أسباب هذا الخفوت النسبيّ في شهرة وانتشار هذه الدروس والأفكار هو بقاء كثيرٍ منها موزّعةً ومندمجةً في ثنايا الحجم والتنوّع الهائلين في أعماله الأخرى.
العيش في أكثر من عالمٍ واحد: كيف ولماذا؟ يجسّد دراكر قيمة صنع وعيش "حياة تامة total life" من خلال ما كان يمارسه من التنوّع الواسع للاهتمامات، والعلاقات، والمسارات المهنيّة أو ما كان يسميّه "العيش في أكثر من عالم واحد".
وبهذه الطريقة عندما تصيب المرء نكسةٌ في مجال -كأن يسرّح من عمله، أو يكابد العيش في بيئةٍ يخيّم عليها شبح التسريح- فإنّه يستطيع تخفيف تلك الصدمة من خلال تطوير مجالاتِ قوةٍ ودعم أخرى.
ويمكنك أيضاً أن تضيف لحياتك معاني وأبعاداً جديدة من خلال نشاطاتٍ متنوعة مثل العمل التطوّعيّ، وتغيير مصائر ومعايش آخرين من المحتاجين أو المنكوبين المحاصرين بكارثة أو فقر أو مرض أو عدوان.
كيف تصنع حياة تامة؟ بالنظر في كتابات دراكر ومسيرته المديدة والغنية نجد خمسة عناصر رئيسة هي:
التطوير الذاتي: اصنع نفسك كما ينبغي لتصبح كما ينبغي التطوير الذاتي موضوعٌ رئيس ينتشر طيفه في كتابات ومحاضرات دراكر. أهم ما الأمر حسب قوله هو "بوصول عامل المعرفة إلى منتصف العمر فإنّنا سنرى كائناً إنسانياً قد تمّ بناؤه وإعداده ليكونَ شيئاً آخر أكثر من محاسب ضريبيّ أو مهندسٍ هيدروليكيّ"
فكّر في حياتك حيث أنت الآن وحيث تريد أن تكون.لا تحصر هذا التفكير بعملك وحسب بل فكّر في مكوّنات حياتك خارج العمل من عائلة وأصدقاء واهتمامات وأنشطة ومساعٍ جوهريّة خاصة بك.
احسب وقدّر ما الذي سيجدي وما الذي لن يجدي، ما الذي ينبغي أن تضيفه أو تكثر منه وما الذي ينبغي أن تتخلّص منه حتّى تولّد في حياتك مزيداً من الرضا والإنجاز.
استكشف، أوجد، وعزّز ذخائر قوّتك الجوهرية: إن مفهوم "المقدرات الجوهرية –أو المحوريّة- core competencies" مفهومٌ إستراتيجيّ وُضعَ أصلاً من أجل منظمات الأعمال، ولكنه في عالم اليوم ينطبق على الأفراد أيضاً. وسبب تأكيد دراكر على استكشاف وتطوير هذه المقدرات هو ما بيّنته له تجربته من ندرة الناس الذين يعرفون كيف يميّزون المقدرات الجوهرية من غير الجوهريّة، والذين يستطيعون التعبير عن تلك المقدرات تعبيراً واضحاً مرتّباً.
تأمّل في مميزات ما تقوم به من أعمال، وفي أيّ النواحي يتفوّق أداؤك ويولّد القيمة الأعظم، ضمن مجال عملك وخارجه على السواء. ركّز على نواحي القوّة الجوهريّة لديك وابحث عن طرق تنميتها واستدامتها وتفعيلها.
لا تضع أرصدة حياتك كلّها في مشروعٍ واحد استعدّ للمضيّ في مساراتٍ متنوّعة يقول دراكر "إنّ غاية العمل في صناعة المستقبل ليست تقرير ما ينبغي القيام به غداً، وإنما تقرير ما ينبغي أن نقوم به اليوم حتّى يكون لنا غد" من أبرز الأفكار التي كان يدعو إليها دراكر فكرة إيجاد "مسار مهني ثانويّ" في مجالاتٍ مثل التعليم، أو الكتابة، أو العمل في المنظمات غير الربحية. كما كان يشجّع على إيجاد مسارٍ مهنيّ " رئيسيّ ثانٍ" من خلال قيام المرء بعمله الحاضر في مجالٍ آخر مختلف. فعلى سبيل المثال يمكن للمحامي أن ينتقل من مكتب أو شركة المحاماة التقليدية إلى مؤسسة قانونية غير ربحية مخصصة لخدمة قضيةٍ يؤمن بقيمتها.
بينما أنت في وظيفتك الرئيسية ابدأ بالتفكير في إمكانيات المضيّ في مساراتٍ جانبية أو رئيسية إضافية. انظر في مدى تناغمها مع قيمك، وتجاربك، وثقافتك، وانظر في التحوّلات التي ينبغي أن تجريها في حياتك حتّى ينجح سعيك في تلك المسارات. واصل العطاء بسخاء كان دراكر يعتقد أن ممارسة شكلٍ من أشكال العطاء السخيّ جزء جوهريّ من العيش في أكثر من عالمٍ واحد. ويقول في ذلك: "كل إنسان قائد، كل إنسان مسؤول، كل إنسان لديه ما يقوم به" إن مشاركتك بوقتك ومواهبك في مجالاتٍ مثل العمل التطوّعي، والريادة الاجتماعية، وتقديم الرعاية والإرشاد ليست مجرد نوافذ للعطاء وحسب بل هي مصادرُ عظيمة لمنفعة نفسك. فمن خلالها –مثلاً- تمتدّ وتتعمّق تجربة حياتك، وتتوسّع دائرة أصدقائك ومعارفك. فكّر فيما يحدث خارج مكان عملك وابحث عن طرق لممارسة العطاء.
ثابر على التعليم والتعلّم في تصوّر دراكر الطموح لمجتمعٍ قوي فاعل تلعب الثقافة دوراً محورياً. كان يعتقد بأن العاملين المعرفيين ينبغي أن يبدؤوا التعلّم من عمر المدرسة ثمّ يمضوا فيه دون توقّف طيلة حياتهم. ويلاحظ دراكر أنّ إدخال التعلّم المستمرّ كجزءٍ طبيعيّ من حياتهم اليومية يبقى بشكلٍ رئيسيّ مسؤوليّة أولئك العاملين.
راجع أولويات تعلّمك، وفكر كذلك في أفضل الطرق لتعلّمك، من حضور دورات، أو مطالعة المقالات والكتب، أو مناقشة ومراقبة الآخرين وهم يعملون.
وفي سبيل تعليم نفسك تجدُ تعليمك للآخرين من أفضل السبل. وفي ذلك يقول دراكر "لا أحد يتعلّم موضوعاً معيناً أفضل ممن يجب عليه تعليم ذلك الموضوع"
ابدأ الآن من حيث أنت إن أسرار النجاح التي يقدّمها دراكر سوف تساعدك في جعل حياتك وعملك أكثر إرضاءً، وأكبر قيمةً ومعنى، وأغنى اتساعاً وتنوّعاً. وفي السطور التالية سبع خطواتٍ للانطلاق في تطبيق تلك الأسرار:
1- ركّز على الإنجاز لا على المال لا يعني دراكر من هذا التمييز الواضح بين الإنجاز والمال ضرورة عدم تمكّن أو عدم إرادة المرء جمع المال، وإنّما يعني وجوب أن يكون السعي لتحصيل المال هو المسار الثانويّ.
2- خصّص للتفكّر وقتاً، إن تركته لأوقات الفراغ فلن تجده ولن تجدها التفكير عملٌ شاق. وفي عالمنا المتسارع كثيراً ما يُهمل وتضمحل قيمته. الأمر المهمّ هنا هو الجهد والتصميم على الانعتاق من طاحونة الأعباء والمشاغل اليومية والتوقّف كي تفكّر: أين أنا؟ وإلى أين أمضي؟
قد لا تجدُ الرغبة أو الإمكانية للقيام بسياحةٍ طويلة إلى البراري، ولكن ليس هناك أيّ عذر يبرّر عدم تخصيصك ساعةً بين الحين والآخر من أجل التأمّل العميق بنفسك في نفسك. وليس هناك ما يمنعك من ممارسة تمارين الاسترخاء والتفكّر والتجوّل المريح في أحضان الطبيعة.
3- تعلّم التراجع عمّا لا يفيد كي تستطيع التقدّم فيما يفيد يقول دراكر: أصحاب الكفاءة والفاعلية إنّما هم كذلك لأنّهم يعرفون متى يقولون لا ومتى يقلعون، يعرفون كيف يقرّرون لأنفسهم "القيام بهذا لا ينفعني أو لا يناسبني"
مارس ما يسمّيه دراكر "المفارقة المخطّطة" بين الحين والآخر، تريّث واخط إلى الوراء قليلاً انظر بعمق واتساع كي تقرّر: من بين ما تقوم به الآن ما النشاطات التي يمكن تقليصها أو إلغاؤها؟ عندئذٍ وحسب يمكنك أن تجدَ الفسحة للقيام بأشياء أكثر وأفضل إثماراً مثل التعليم والتعلّم والتطوّع.
4- تطوّع بوقتك وموهبتك من تجربة حياته كان دراكر يرى العمل التطوّعيّ عنصراً رئيساً في أداء المجتمع وظائفه أداءً حسناً. و كان يراه طريقةً تملأ النفس بالرضا وتضمن عدمَ استهلاك العمل كلّ أيام عمرك.
في كلّ مجتمعٍ توجد اليوم مئاتُ وآلافُ المنافذ للعمل التطوّعيّ، ونصيحة دراكر هي: ابحث عن منظّمةٍ عاملةٍ تحترمها وقضيةٍ تؤيّدها ثم شمّر عن ساعديك!
5- ارع آخرين كما يرعاك آخرون الرعاية الإرشادية أوسع من مجرّد تعريف العضو الجديد على المداخل والمخارج والسياسات والتحالفات في فريق أو في مؤسسة. يمكن –أو ينبغي- أن تتسع هذه الرعاية لتضمّ نصحاً شاملاً في كل مراحل المسيرة المهنية وكلّ آفاق الحياة.
رعاية وإرشاد الآخرين لا تفيدهم وحدهم بل هي تفيد الراعي المرشد مثلهم أو أكثر.
لا تمشِ وحدك. ابحث عمن يرشدك وابحث عمّن ترشدهم.
6- أتقن فن الاستراحة والتخلية في هذه الناحية ينبّه دراكر إلى سهولة الاستراحة الظاهرية (تخلية اليدين من العمل) وصعوبة الاستراحة الحقيقيّة (تخلية الدماغ والقلب).
لا جدال في أهمية العمل ولكن إيّاك أن يصبح هذا العمل المصدر الوحيد لشعورك بالإنجاز ومعنى الحياة. أوجد لنفسك اهتماماً أو اهتمامات خارجةً عن العمل وركّز على الأشياء التي تجلب لك السعادة والرضا وتجدّد شعورك بقيمة ذاتك.
7- كن المدير التنفيذيّ الأعلى لحياتك يعتبر دراكر إدارة الذات منهجاً متواصلاً يتطلّب القيام به معرفة المرء بنفسه، وتمحيص القيم والدوافع، وتحمّل المسؤولية الشخصية. وبالنتيجة، تتطلّب إدارة الذات قيام كل عاملٍ معرفيّ بالتفكير وبالتصرّف وكأنّه مديرٌ تنفيذيٌ أعلى لنفسه.
ابدأ منذ اليوم بالنظر إلى نفسك كمديرٍ أعلى لحياتك ومسيرتك المهنيّة، وتحمّل مسؤولية قراراتك وتصرّفاتك. اعرف من أنت، ما المهمّ لديك، وكيف ستقدّم وماذا ستقدّم لعملك وللعالم من حولك.
أخيراً وليس آخراً: تحلّ بالهدوء والصبر ولا تتوقّع حدوث كل ما ترجوه دفعةً واحدة. انطلق الآن من حيث أنت نحو حياتك التامّة خطوةً خطوة. | |
|